الدكتور عبدالحفيظ الحداد باحث في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن
إن كتابة البحوث في مجال الإعجاز العلمي تحتاج لخبرة وتمرس من قبل الباحث الذي يريد تحقيق ذلك على الوجه الصحيح. وهذه الخبرة وذلك التمرس يعتمدان أساسًا على تحصيل كفاية من العلم في تفسير القرآن الكريم، ووجود قاعدة راسخة من التمكن في العلوم الكونية؛ وبذلك يكون الباحث مؤهّلاً لمعالجة قضية في مجال الإعجاز العلمي، ولكن إذا أراد كتابة بحث مفهوم في هذا الميدان ومقبول عند أهل العلم فإنه لابد أن يستجمع معرفة في مجال المنهجية البحثية وبالتالي الإحاطة بالأصول المنهجية لكتابة البحوث، ويستوي في هذا الطلب القواعد العامة والخاصة.
أولاً: مجمل القواعد والأسس التي يجب التقيد بها لدى تفسير نصوص القرآن الكريم والتي يعبر عنها بمنهج التفسير ما يلي:
1 ـ يلزم معرفة كل ما يتعلق بالنص ضبطًا ومناسبة، وغير ذلك مثل: سبب النزول ووجه القراءة.
2 ـ يلزم معرفة ما إذا كان هناك نص من القرآن الكريم يصلح اعتباره مفسرًا للنص الذي نحن بصدد تفسيره، لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا، وهذا التفسير مقدم على غيره من أنواع التفسير.
3 ـ يلزم البحث عما إذا كان هناك حديث شريف يصلح أن يكون مفسرًا لهذه الآية، لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم من سواه بمراد الله ـ عز وجل ـ لأن القرآن الكريم عليه أنزل.
4 ـ يجب تحري ما ورد عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لأنهم أدرى بكتاب الله وأعلم بمعانيه، ولاحتمال أن يكونوا قد سمعوا شيئًا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخصوص هذه الآية.
5 ـ يجب مراعاة العرف اللغوي السائد وقت نزول القرآن الكريم دون غيره مما تعارف الناس عليه فيما بعد من المعاني.
6 ـ مراعاة قواعد الإعراب وما يحتف بذلك مما يوضح لنا حقيقة المراد بالنص الكريم.
7 ـ يجب أخذ قواعد البلاغة وأساليب البيان بعين الاعتبار لأنها تعين على كشف دلالة النص.
8 ـ ومن الواجب أن نلاحظ سباق النص وسياقه ومقتضيات الحال المقترن بموضوع النص.
9 ـ قبل أن نجزم بوجود معنى للنص يجب التأكد من أن هناك عبارة أو إشارة تعين على ذلك الذي نريده لأن التثبت مطلب شرعي وهاهنا طلب آكد ولذلك تراعى قواعد الترجيح المعتبرة.
10 ـ يلزم التأكد من دلالات ألفاظ النص وعباراته، هل فيه ما يدل على معاني إضافية من تقييد لعام، أو تخصيص لمطلق، أو يوجد شيء من المجاز؟ والمقصود بهذه الخطوة معرفة أولويات الاعتبار لوضع النص في الدائرة المناسبة.
11 ـ يلزم أن يبقى المعنى الأولي هو المعتمد، ولذا فالمحكم أولى من الظاهر، والظاهر أولى من الذي يستفاد بالتأويل عند وجود المقتضي للتأويل، ولكن مع مراعاة ضوابط التأويل ـ كما سيمر معنا لاحقًا ـ وهكذا فمنطوق النصوص مقدم على المفهوم، بل المفاهيم بعضها مقدم على بعض.
12 ـ لابد في حال تعلق احتمالين بالنص: أحدهما يختص بحقيقة شرعية، والثاني يتعلق بحقيقة عرفية ـ فإننا نقدم الحقيقة الشرعية، وهكذا نقدم العرفية على اللغوية إلا لمقتضى معتبر.
13 ـ هناك ألفاظ بعضها من حرف وبعضها من أكثر ـ اصطلح على تسميتها بحروف المعاني، وقد اصطلح علماء اللغة على دلالات لها، أي معان تستفاد منها عند ورودها في الكلام، فلابد من مراعاة المعاني التي اصطلح عليها عند أهل اللغة.
14 ـ كما أن هناك قواعد أصولية وهي بالوقت نفسه معتبرة معانيها عند أئمة التفسير، لذلك فلابد من مراعاتها وإعمال مقتضاها في تفسير آيات القرآن ونصوص السنة ومن ذلك: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، (لا عبرة بالظن غير الناشئ عن دليل).
15 ـ الحذر من الخوض في المتشابه من النصوص، وكذلك الخوض في القضايا التي أطلق عليها العلماء اسم السمعيات، وهذا الكف أولى من الخوض، لأنه يترجم أدب المؤمن مع القرآن.
16 ـ يلزم الحذر من الأخبار التي أطلق عليها علماؤنا اسم الإسرائيليات مع اجتناب الاعتماد في تفسير كتاب الله بمقتضى نصوص واهية أو ساقطة الاعتبار عند التحقيق.
17 ـ تحاشي العبارات التي تحمل طابع التسفيه لأقوال العلماء السابقين من سلف الأمة، حتى ولو ظهرت لهم أخطاء؛ بل يتأدب في رد الخطأ مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ربما ظهر وجه يجعل كلامهم الذي قالوه معتبرًا، وكم عاب إنسان غيره وكان العيب عنده لقصور فهمه.
18 ـ يجب أن لا يفارقنا اليقين بصدق وعد الله ـ جل وعلا ـ وإخباره لنا بإظهار صدق آياته في الآفاق، ولكن بأقدار لا تتقدم ولا تتأخر، لذلك علينا أن لا نقدم شيئًا مما نسمعه على كلام الله قطعًا لأن ذلك لا يخلو عن مجازفة بأن نعدل عن المراد من النص.
19 ـ إذا لم يتحقق لنا اطمئنان واستقرار بعد كل الخطوات السابقة بيانها، واضطررنا إلى تأويل النص، فعلينا أن نتقيد بما قرره السلف من علمائنا في هذا الميدان، ومن ذلك التأكد من صحة ما نستنبطه من الدلالات، وأن هذا الاستنباط لا غلو فيه ولا تقصير، وكذا لا زيغ فيه عن حقيقة من حقائق الدين، بل علينا المؤاخاة بين مفردات النص، وكذا بين النص وغيره من النصوص القرآنية الأخرى، لأن القرآن الكريم لا تفاوت بين آياته أبدًا.
20 ـ الحذر من استجرار الآية لمعنى يريد الباحث حشر أدلة عليه متذرعًا باحتمالات ممكنة ولكن مع شيء من التكلف، والذي ينبغي أن ينزه كلام الله ـ عز وجل ـ عن مثله.
21 ـ ومن أراد الاستزادة في هذا الميدان فعليه بكتاب (الإتقان للسيوطي) ج4، ص 200 وما بعدها، وكتاب (التفسير والمفسرون للذهبي) ج1 ص 265ـ284، وغير ذلك من كتب هذا العلم الشريف.
ثانيًا: معالم القاعدة العلمية التي يلزم إبراز الحقيقة العلمية وفق ضوابطها المقررة عند أهل الاختصاص.
المصدر: نقلا عن موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن